بَريقُ الغدِ- بوابةَ المُستقبلِ
في غرفةٍ موجودةٍ في طابقٍ في أحد الزُقاقاتِ، صاحبُها واجَهَ بوابةَ المُستقبلِ لوهْلة! ولٰكِنْ في لحظاتٍ جاء مجهولٌ وسَلَبَ مِنهُ روحَهُ التي لَرُبّما لو لم تُسلب كان سيَعرفُ ما خلف ستارِ المستقبل. هٰذِهِ الشقةُ سَكَنَها أُناسٌ عدةٌ وكُلُهُم خرجوا منها قبلَ تمامِ الأُسبوعِ، إلّا آخرُ من سَكنَها فقد أَتمَ أسبوعًا كاملًا فيها، يا لَلعجبِ هٰذا ما قالهُ من عرف بذٰلِكَ! في حينِ جلوسِ بطلنا مع نفسهِ يرى الذاهب والعائِد، المعروفَ والمجهولَ مِنْ نافذةِ غرفةِ المعيشةِ التي كادت تكون كَجزيرةٍ طغى عليها اليأسُ ولم يرتدّ لها أحدٌ إِثرَ سماعِ كُلِ من داخلها بأصواتٍ غريبةٍ تهمسُ… حسبَ ما وَرَد في كلام الجيرانِ فَإن روحَ المالِك لا زالت تُقيم هناك… في ذلك الوقتِ المُتأخِرِ من الليلِ طُرِقَ البابُ… -أما مِن أَحدٍ هُنا؟ افتحوا الباب! -مَهلًا، مَهلًا... مَنْ أنت؟ -لا يُهمُ مَن أنا! … -إذًا لِمَ تطرق بابي في هذه الساعة؟ - أتريدُ أن تفتحَ أم أترُكُ لكَ المفاجأة مُخبَّأةً لا تدري ما هي وأينَ هي؟! -حسنًا ها أَنا ذا قادمٌ... قالَها بتوتّر وفُضولٍ كبيريْن! فهل يخسر المفاجأةَ أم ينتهز الفرصة بكلّ خوفه وجُرأته؟! فتحَ بطلُنا ذو الأربَعِ والعشرين عامًا البابَ ولٰكنهُ صُعِقَ إذ وَجَدَ رجلًا بوجهٍ حادٍّ وجسدٍ مصقول. -من أنتَ؟ ومن أين تتكلم؟ وكيف دخلت؟! -لا يَهمُك من أنا بِقدر ما يَهُمُك ما أعرفه! -وماذا تُريد مني الآن؟ -لا أُريد شيئًا مِنك، ولكنني أتساءل في حين حديثي معك هل تُصدِقُ أن روحَ المالِكِ لا زالت هُنا؟ -بالطبعِ كلا! -إنّ المالِك قُتِل بسبب اختِراعه الموجود في الغُرفةِ المغلقةِ التي عجز الجميعُ عن فتحِها. -وما هو هذا الاختراعُ؟ -أراد معرفةَ ماذا سيحلّ في المُستقبلِ، حاول استكشاف المُستقبلِ البعيدِ الذي لَطالما حدّثونا عنهُ بِأنهُ ستغزوهُ الروبوتات مِن كُلِ حدبٍ وصوب، حيث لَن تبقى حاجةٌ لِخَدَماتِ البشر، فيهِ سنرى سيارات تطير وطائرات تغزو الفضاء… وأما عن الأصدقاء! لا أظنك ستجدهم يجلسون سويًّا، سيكون العالمُ أشبه بغرفتك هذه! على كُلٍ مِن أجلِ أنْ تعرف أسرار الغدِ، أحضِرِ المفتاح الموجود أسفل الخزانةِ الزرقاء، ثُم افتَحْ باب الغُرفةِ المغلقةِ وأخبرني ماذا تجِدُ. -يا هذا ما هو هذا؟ من أين أتيت بِه؟ -إنها آلةٌ ابتكرها مالك الشقةِ وقد أطلق عليها اسمَ "المُستقبل"، هذه الآلةُ تأخُذُكَ إلى المُستقبل لتعلم ما يُخبِئُ لكَ القدرُ. ولٰكن احذر قبلَ استِخدامِها، إِنْ إستخدمتها ستذهب للمستقبل وتعيشهُ ولٰكن لا مجالَ للعودةِ… عمَّ الصمتُ في الأرجاء فالشابُ يودُ هذا ولٰكن الأمر مصيري عليه، التفكيرُ به جيدًا قبل فعلِهِ لأنّ أيّ خطأ سيكلِفهُ الكثير... وبعد طول تفكّر قال: "أتدري أيُها المجهولُ…كُل شيءٍ جميلٌ في وقتِهِ، سأعيشُ هذا المُستقبَلَ عاجلًا أَمْ آجِلًا، فَلِمَ العجلةُ؟! -هل تعني أنَكَ لن تستخدمها؟! -بالتأكيدِ كلا، فَالغدُ أجملُ ببريقهِ ولمعتِهِ دونَ إضافةِ لمساتي سواءً نالت إعجابي وإعجابكَ أَمْ لا. وهذه هي الحكمةُ الّتي أومِنُ بها، لا يتوجب علينا التعجّل في كُل شيء رغبةً بمعرِفةِ ما يخبئُ لنا الغد... ما يتوجب علينا معرفتُهُ سنعرفُهُ، وكُل شيءٍ أرادَ الله لنا عيشَهُ سنعيشُهُ... وَكما قال أجدًّادُنا "في العجلةِ الندامة وفي التأني السلامة"... مِنَ المتعةِ معرِفةُ المجهولِ لٰكن ستُصبِحُ الحياةُ بلا نكهةٍ تُميزُها إذا عرف الجميعَ ما سيحلُ بِهِ! -أما أنا فسأخرُجُ عن سياقِ الحديثِ قليلًا، لدي اعترافٌ صغيرٌ لكَ، أنا من قتلَ المالِك والآن حان دورُكَ بِما أنَكَ عرفت أنني هُنا…